تنزيل وتحميل كتاِب كلمات في شأن حامد العلي – للشيخ عبد العزيز شاكر pdf برابط مباشر مجاناً
وصف كلمات في شأن حامد العلي – للشيخ عبد العزيز شاكر pdf
كلمات في شأن حامد العلي – للشيخ عبد العزيز شاكر
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أدري كيف رضيَ كثير من الإخوة على أنفسهم أن يكون الكلام عن حامد العلي هو شغلهم الأوَّل، فالرجل أصاب أو أخطأ، حسنت نيته أو ساءت، صلُح أو كان غير ذلك، ما هو إلا رجلٌ من الناس، لا أشك أن الانشغال به هو انشغال بأمر مفضول، وتقصير عن الأمور الفاضلات التي يتحقق بها نصرة المجاهدين، فمن كانت له كلمة في حامد، فلتكن له كلمات في غير شأن حامد، حتى لا نكون ممن يظهر عند الفتن والخلافات ويختفي في مواطن النصرة والاستنفار، أعاننا الله وإياكم على طاعته .
هذه نصيحةٌ قدمتها بين يدي النصيحة، ثم إنني شارعٌ في المراد، والعون من الله .
فإن كثيرًا من الإخوة الذين تكلموا في مسألة الشيخ حامد العلي – حفظه الله- قد غفلوا عن (تطبيق) أصلين مهمين يجب العمل بهما عند الكلام في الأعيان:
الأصل الأول: هو العدل، وهذا الأصل فيه قصدٌ إلى صواب (الحكم) على الأعيان،ويتأكد العمل به عند الحكم على من له سابقة في نصرة الإسلام والمجاهدين .
والأصل الثاني : هو المصلحة، وفيه قصدٌ إلى صواب (الجهر) بالحكم الذي بنيناه على العدل، وهذا يتأكد عند الكلام عن شخص متبوع وعلَم معروف، فالكلام فيه يؤثر في أتباعه، وفي كثير من المسلمين ممن قد لا يُحسنون فهم وجه الحق في حكمنا عليه -ولو كان حقًّا- .
والشيخ حامد العلي فيه كلتا الصفتين، فيتأكد عند الكلام عليه أن نتحرى العدل والمصلحة .
فأما الأصل الأوَّل، فعلينا أن نطبقه بنظر مدقَّق، ورأيٍ مُحَقَّق، بلا مبالغة في سوء الظن، ولا تكلُّف للعذر .
فالذي يقول إن الشيخ إنما خالف الدولة الإسلامية في أمر اجتهادي هو (توقيت إقامة الدولة) مخطئ بلا شك، فهذا بعض الخلاف، ولعل الخلاف في هذا الأمر الاجتهادي مبنيٌّ على خلافٍ حقيقيٍّ، وإن لم يكن كذلك، فلا شكَّ أن بين الشيخ حامد العلي ودولة العراق الإسلامية خلافات منهجية، ولا شكَّ أن الشيخ عنده
مَيل إلى مشاريع أخرى غير مشروع إخواننا في( دولة العراق الإسلامية)، وإن لم يظهر له هذا المَيل، فكثير من الهوى خفيٌّ، ولا يحسب أحدٌ أن الاجتهاد لا يأتي مع الهوى، أو أن الهوى لا يأتي مع العلم، بل قد يجتمع الاجتهاد مع شيء من الهوى الخفي والظن الذي يتأوله صاحبه عِلمًا .
قال ابن تيمية في الفتاوى: ( ومما يتعلق بهذا الباب، أن يُعلَم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين (ومن بعدهم) إلى يوم القيامة، أهلِ البيت وغيرِهم، قد يحصل منه نوع من لاجتهاد، مقرونًا بالظن، ونوع من الهوى الخفي، فيحصل بسبب ذلك مالا ينبغي اتباعه فيه، وإن كان من أولياء الله المتقين.
ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين: طائفة تعظمه؛ فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه، وطائفة تذمه؛ فتجعل ذلك قادحا في ولايته وتقواه، بل في بره وكونِه من أهل الجنة، بل في إيمانه، حتى تخرجه عن الإيمان، وكلا هذين الطرفين فاسد ) .
وهذا ما نراه اليوم مع الشيخ، فطائفة تريد تصويب أخطائه بتكلفٍ ظاهر واتّباعٍ باردٍ لا تبرأ به ذمة، ولا أظنه يخلو من إثم، فقد يُثاب المتبوع المخطئ لإرادته الحق، ويأثم التابع لتعصبه واتّباعه الهوى، وطائفة أخرى تريد جعله من عملاء أعداء الله، وتريد إسقاطه والطعن فيه لقرائن بعضها فيه لبس، وبعضها واضح الضعف، وبعضها فيه بهتان ظاهر، ولا تقوى بمجموعها لتكون شيئًا ولو بطريقة الشيخ الألباني في التقوية!
الشيخ -هداه الله- لا يفتأ في مقالاته وما يَنْظِمُه يعيد التعريض بمجاهدي الدولة الإسلامية وبأن عندهم غلوًّا، وهذا الغلو المزعوم: إما أن يكون في منهج الدولة أو في ممارساتها .
فإن كان في المنهج: فليبيِّن لنا أين هذا الغلو في منهج دولة العراق الإسلامية، وهو منهج منشور معروف، وليس فيه تغيير كبير سوى أمورٍ فرعية ذكرها الأمير في خطاب له (كوجوب تغطية الوجه وتحريم الستلايت ونحو ذلك مما لا شك في غلو من يزعم كونه غلوًّا)، وما سواه فهو منهج قاعدة بلاد الرافدين التي ملأ موقع الشيخ الثناء عليها وعلى أميرها الشهيد أبي مصعب تقبله الله – كما نحسبه و الله حسيبه ، ولم نرَ منه في حينها إشارةً إلى غلوٍّ أو تجاوز، بل هو ثناء مُطلَق .
وأما إن قصد غلوًّا في ممارسات الدولة: فالشيخ ادّعى، وهو عالمٌ أن الدعوى بلا بيِّنات لا قيمةَ لها وإن علا شأن قائلها، بل قد قيل لأحد صحابة رسول الله: البينة، أو حدٌّ في ظهرك، وليس الشيخ بأكرمَ على الله من أن يُقبل منه ما لا يُقبَل من غيره، هذا لو قال لنا إنه قد شهد وسمع ورأى، فكيف والشيخ في بلده لا يصله إلا ما يُنقَل إليه؟ ولا يعرف إلا ما يُقال له؟ ولا ندري هل وصلته بلاغات أم مراسيل أم وصله ما في إسناده متهَم، وشاهدٌ على خصومِهِ، وناقل لرأيه وتصوُّره؟ ومع عدم الثبوت فلا قبول، فكيف والشيخ لم يبين ما هو الغلو المنقول إليه؟ فكيف يريد الشيخ من الأمة أن تصدق شيئًا بلا بينة ولا بيان؟
لا أريد الخوض فيما قيل للشيخ وجعله متأكدًا من وجود هذا الغلو الزعوم، فأن يكون الشيخ علم أن المجاهدين قد قتلوا من الجيش الإسلامي ونحوه، فهو أعلم أن مفقوء العين قد يكون ابتدر خصمه بفقء عينه، وقد يكون خصمه إنما فقأها دفعًا لصولة، أو منعًا لحُرمة، أو قصاصًا، وإن كان الشيخ يجهل أن كثيرًا من كتائب الجيش الإسلامي قد انخرطتْ في الشرطة، وشاركت في الصحوات، وقاتلت مع الأمريكان، فلا يسعه أن يجهل أن بعضها فعل ذلك، ككتيبة أبي العبد في العامرية، فهذا مما انتشر وعلمه الجميع، ولم ينكره (****): الشمري والنعيمي، بعد أن كانا يكذبان بأن “القاعدة” هم من بدؤوا بالقتال، والقصة معروفة للجميع، فالكاذب في واحدة يكذب في البقية، كيف والشيخ (يعلم) يقينًا كذب ما زعموه من محاولة ضرب “القاعدة” للسنة بغاز الكلور، وعمالة “القاعدة” لإيران، فلو زعم هؤلاء (****) اختراق إيران “للقاعدة” واستغلالها لتنفيذ مصالحها لكان لتصديق ذلك وجه أقوى، فهذه الأمور قد تلتبس ويصدقها البعيد عن الساحة إن لُبِّسَ عليه، ووثق في الناقل، وتأثر بما يشاع، أما دعوى العمالة المباشرة لإيران فأعيذ الشيخ بالله أن يصدقها، بل وأتيتُ بها لتذكير الشيخ بكذب هؤلاء، فيقيني أنه لا يصدِّق مثل هذه الترهات.
فعلى الشيخ أن يبيَّن أو يتقيَ الله ويسكت، فليس من وراء كلامه (المبهم) إلا الفتنة وفتح المجال للطعن في المجاهدين وتفريق صفِّهم، ولو كان ثمَّ غلو – حقًّا- فسيزيده .
وأما إن رأى أن البيان يكون سِرًّا، فأصل الكلام أولى بالإسرار، وهذا ما يليق بالشيخ، أن ينصح المجاهدين بفقهٍ هو أهل له، ولو رأى أن يشتدَّ عليهم ويُغلِظ، فليعلم أن نصيحة المحبِّ العاقل هي نصيحة السر، ونصيحة السر – ولو كان فيها غلظة- فإنها تُشعِر المجاهدين أن لهم إخوانًا من ورائهم، فيشتد بهم أزرهم، ويقوى ظهرهم، ويحمدون الله على ذلك .
وليعذرنا الشيخ إن تحدثنا عنه – فيما هو آتٍ- بظنٍّ، فإنما نملك تقديم حسن الظن، ثم قراءة الأحداث ومشاركة الشيخ فيها، فإن أخطأنا، فالشيخ معينٌ لنا على الخطأ بتلميحاته وعدم وضوح شأنه وإعراضه عن جواب سائليه. ولم أخُض في لجة الظن، إلا لتلمُّس العذر للشيخ، ولنتلمس الموضع الذي أُتيَ الشيخ منه، دفعًا لظلم الشيخ، ومنعًا للتجاوز في الحكم عليه .
المتتبع لمقالات الشيخ من قبل قيام دولة الإسلام -وقد يتهمني من غاظتهم الدولة باطّراح التأريخ بالهجرة!- يجد أن الشيخ -حفظه الله- قد أغرق في الطرح السياسي في النظر ابتداءً، وفي مصطلحاته التي يستعملها، ويجدْ عنده شيء من المبالغة في تقدير الخطر “الصفوي”، ومما يُفهَم عن بعض مقالاته إمكانية التحالف مع بعض قوى الجَور والانحراف، لمقابلة خطر الصفويين، وإن شئنا أن
نقولها بمصطلح شرعي: فهو تحالف مع المرتدين خارج العراق وداخله من المنتسبين إلى السنة لتشكيل جبهة ضد الروافض -لعن الله الجميع-. وهذه النظرة لو صحَّتْ عن الشيخ -وأسأل الله أن يُكَذِّبني صاحب الشأن- فقد تكون من أهم أسباب جنوح الشيخ إلى مشروعٍ آخر غير مشروع القاعدة والذي يقوم على تحييد إيران الرافضية وتأجيل المواجهة معها بقدر الإمكان، لعدم خسارة فرصة مجابهة الأمريكان، مع ضرب أتباع إيران بقوّة إن لم يمكن تحييدهم كما حصل في العراق وقت كان ثمَّ قاعدة، ويحصل اليوم من إخواننا في دولة العراق الإسلامية. والعجيب أن الجماعات التي تريد التحالف مع من يكفرونهم – حسب منهجهم المعلن المسروق من عقيدة المقدسي- لا تقاتل الرافضة باعتبارهم كفَّارًا بل فُرسًا لهم مشروع توسعي فارسي، ونجدهم يتغزلون في المشركين الرافضة من التيار العروبي! وهذه مفارقة تبيِّن قبح منهج هؤلاء، وكونه حماقةً سياسية فضلاً عن كونه انحرافًا شرعيًّا .
فهذا التباين بين المشروعين، وبدء أولئك بعقد التحالفات فعلاً مع أولياء الصليبيين في الدول المجاورة مع قرب انسحاب الأمريكان وضرب إيران، ثم تطوُّر الأمر إلى اتفاقات مع الصليبيين تصل إلى درجة التحالف في كثير من الأحوال، كل هذا أدّى إلى قيام دولة العراق الإسلامية، حفظًا للجهاد من أن يكون في سبيل أمريكا، ومنعًا للمسيلمتين من أن يكونا في واجهة المجاهدين سياسيًّا وإعلاميًّا، وحفظًا لدم أبي أنس الشامي وعمر حديد والفاروق العراقي وعبد الله الرشود وياسين البحر وبروا الكردي وأبي صالح الأنصاري وشهداء الجيش الإسلامي والراشدين وثورة العشرين، حفظًا لهذه الدماء من أن تكون سلعة تباع وتشترى، وورقة ضغط يلعب بها مريدو السلطة على الصليبيين وأوليائهم، قامت دولة الإسلام، لا بدهاء أبي عمر البغدادي، ولا بحنكة أبي حمزة المهاجر، ولا بتدبير سابق لأبي مصعب الزرقاوي، بل بتوفيق ربَّانيٍّ محض، حفظ الله به الجهاد، وثبَّت به أهل الصدق، وغاظ به المنافقين، ولم يفقه مدى توفيق الله به كثير من المخلصين .
ولكنَّ أعداء الله أرادوا أن يستدركوا، فبيَّتوا مكرَهم، وأجمعوا أمرَهم، وأطلقوا شرَّهم، ففي العراق:
تحرشات بالمجاهدين، وإشاعات يفرقون بها صف المسلمين، وفي خارجها: رسلٌ شرٍّ إلى أهل الخير، فلبُّسوا على بعضهم، وقال لهم بعضُهم: لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل رسل مسيلمة
عصره، لقتلناكم يا رسل مسيلمة عصرنا. ومسيلمة عصره إنما أراد الأمر لنفسه، وأما مسيلمة العصر ففعائله أخبث: أراد الأمر لنفسه فلم يترك باب كفر إلا طرقه، فطرق باب الأمريكان والروس والمرتدين، والرافضة الملاعين .
وأما الصليبيون الذين يتلاعبون بهؤلاء، فهدفهم أكبر، فهم لا يريدون دولة العراق الإسلامية، وإنما يريدون منهجها الذي تحمله، ولو تسنى لهم أن يحرفوا منهج الدولة ببقاء الدولة، لأسعدهم بقاؤها ولسعوا له، ولكنهم يعرفون أن لا سبيل إلى ذلك، ولهذا جيشوا الجيوش وجندوا الجنود ووسعوا نطاق المعركة إلى الإعلام، وعقدوا التحالفات ودعموا الكتائب والصحوات فأنطقوا الخرس، وضيقوا على جيش المهدي وغيره من كتائب الرافضة فأخرسوا الفُرْس، كل هذا استنفارًا للقضاء على دولة التوحيد، لئلا تكون لأصحاب هذا المنهج دولة، فتكون دولةً “عُظمى”=(كما هو الاصطلاح)، بتوحيدها الذي لا تحيد عنه، وبكتائب استشهادييها الذين لن يرضوا من أمير المؤمنين إلا أن يبعثهم أرتالاً إلى دول الصليب ليُنسوهم يوم التسعة عشر .
والمقصود من هذا كلِّه، هو أننا نشهد اليوم حملة كفرية شاملة على هذا المنهج وعلى دولة الإسلام، يديرها الصليبيون، ويعينهم المرتدون، ويشاركهم فيها بعض من أغواهم الشيطان من المنتكسين ممن ساءهم تفوُّق الدولة وانصراف أتباعهم إليها، فشاركوا في الحملة بدور خبيث، ولبَّسوا على بعضِنا وليس منا معصوم، وكما كان الرافضة يدخلون على المالكية من باب المشابهة في إسدال اليدين في الصلاة، دخل هؤلاء على إخواننا من باب بعض مآخذ هؤلاء الإخوة على دولة الإسلام، ومن باب المشابهة في بعض ملامح المشروع المستقبلي لمرحلة “ما بعد انسحاب الصليبيين”، وليس من الدهاة إلا ذو غفلة، ولا من الأكابر إلا صاحب زلة، ولا من التقاة إلا من يخالطه شيء من الهوى الخفي، والإعجاب بالرأي، وإن كان في أصل نظرته مجتهدًا قاصدًا الحقَّ والخير، والله المستعان .
فالذي يظهر من قراءة مواقف الشيخ – وإنما جرَّأ على القراءة إعراضه عن البيان وتجاهله الإلحاح-، ومن معرفة سابقة الشيخ وحسن بلائه في نصرة الإسلام، وسلامة منهجه -في الجملة-، أن الشيخ في حقيقة منهجه أقرب إلى دولة الإسلام وإن ظُنَّ غيرُ ذلك، وأنَّ موافقته لخصومها هي موافقة جزئيَّة، ومخالفةٌ -لما نعلم نحن- أنه حقيقة منهجهم، ونظن أنه لُبِّسَ على الشيخ فيه واعتُذِرَ له بأعذار عريضة، لقيَتْ قبولاً عنده وظنًّا حسَنًا، ويحتمل أنه تبين له مدى انحرافهم وسكت عنهم طلبًا للمصلحة، وخوفًا من أن يُجَرِّئ هذا خصومهم على أمرٍ يراه الشيخ “فتنةً”، والفصل في هذه الاحتمالات بترجيح أحدها أو طرحها كلِّها هو بيد الشيخ وحده لا غَيْر .
فمذهب من يذهب من الإخوة إلى رمي الشيخ بالعمالة تصريحًا أو تعريضًا هو مذهب مذموم، فيه ظلمٌ وتجاوز، ورمي بالباطل لمن نحسبه من أولياء الله، وكلُّ ما تقدَّم كافٍ لتزل قدم المرء، ولأن يخفى عليه الهوى، ويظهر عنده الظنُّ عِلمًا، كيف وقد جاءه الشيطان بصورة مجاهدٍ من العراق، وكلنا لو رأى مجاهدًا لما كفاه أن يقبل قدميه، فكيف لو تكرر تردده عليه؛ فوثق به، واطمأن إليه؟ أكان ليُكذّب خبرَه مع ما تقدَّم؟ فالله المستعان .
قال ابن تيمية في درء التعارض : ( فأخبر أن المنافقين لو خرجوا في جيش المسلمين ما زادوهم إلا خبالا، ولكانوا يسعون بينهم مسرعين يطلبون لهم الفتنة، وفي المؤمنين من يقبل منهم ويستجيب لهم : إما لظن مخطىء، أو لنوع من الهوى، أو لمجموعهما؛ فإن المؤمن إنمايدخل عليه الشيطان بنوع من الظن، واتباع هواه، ولهذا جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم – أنه قال :(إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات ) ) .
وقد استند بعض الإخوة فيما يرمي به الشيخ إلى كلمة أمير المؤمنين التي ظنوه فيها يُلمح إلى عمالة الشيخ حامد، ولا دليل لهم أن الأمير يقصد الشيخ، ولو قصده فهذا مسلكٌ نربأ بالأمير عنه، ونبرأ إلى الله منه، ولا يجوز لمسلم أن يأخذ بكلام الأمير لأنه كلامه، بل ولو صرَّح الأمير بعمالة الشيخ، فخاصمه الشيخُ إلى قاضي الدولة لوجب أن يقفا بين يديه خصمين وعلى المدعي منهما البينة وإلا لم يقبل منه وأُخِذَ بدعواه، وليس من القرائن الظاهرة لنا ما يُثبتُ تهمةً، فعلى من يتهمُ البينة على ما اتهم به خصمه مهما علا قدرُه وكان مُصَدَّقًا عندنا في الأصل .
وأما من يقولون إنهم لا يرمون الشيخَ بالعمالة، وأن قولهم – الشديد- فيه مبنيٌّ على خطئه وظلمه، وهم مع ذلك لا يُعرّضون بعمالته -فالتعريض أخو التصريح وصاحب هذا كصاحب ذاك-، فإن أرادوا من الشدة سقوط الشيخ عندهم، وإهدار مكانته عند المسلمين، فهذا فيه ظلمٌ أيضًا -وإن كان دون الأول-، ولو طردناه مع كلِّ صاحب خطأ -وإن بناه على هوى- لم يسلم لنا أحدٌ من الأمة، ولم نترك فينا أحدًا من الأئمة، والعدل يقتضي ردَّ الخطأ وبيانه والتحذير منه، ودفع صاحب الظلم عن الظلم، لا مقابلته ظلمًا بظلم، مع حفظ مكانة المخطئ وتقديم حسن الظن فيه، قال ابن القيِّم في إعلام الموقعين: (ومن له علم بالشرع والواقع، يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قَدَمٌ صالح، وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتبع فيها، ولايجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين) .
وأما من أرادوا من الشدة المبالغة في التحذير من الخطأ فيندرج هذا في الأصل الثاني .
هذا عن الأصل الأوَّل، وهو كافٍ ليكفَّ الإخوة عن الشيخ ظلمهم، كما نحبُّ أن يكفَّ هو ظلمَه عن المجاهدين .
وأما الأصل الثاني وهو تحري المصلحة، فقد جاءت الشريعة بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإذا تزاحمت مصلحتان أخذنا العليا منهما، وأخذنا الدنيا من المفسدتين عند تحتم إحداهما، فعلى المسلم -وخصوصًا عند الفتن- تحري خير الخيرين للعمل به، وشر الشرين لدفعه، وهذا يكون بترك الخير لما هو خير منه، وارتكاب الشر لدفع ما هو شر منه .
ومن هذا الباب: ما رواه البخاري في الصحيح عن علي رضي الله عنه ” حدثوا الناس بما يعرفون،أتحبون أن يُكَذَّب الله ورسوله؟” في باب: من خص بالعلم قومًا دون قوم، كراهية أن لا يفهموا”
ومن يَعُد إلى كتاب العلم من الصحيح يجد عددًا من الأبواب والآثار بنحو ذلك .
فالكلام في الشيخ -بعد عذره فيما يُعذر فيه وأخذه بما يؤخذ به- يجب أن يكون محسوبًا ومقدَّرًا، وأن لا يُتسرَّع بالبتَِّ فيه بشيء بدون دراسة العواقب، فنحن في معركة لا تقل عن معركة أبي عمر البغدادي وأسامة بن لادن، فيجب أن نخلفهم بخير، ونسد ثغرة الإعلام عنهم بإحسان، وأن نسدد ونقارب، لا أن نندفع في الكلام في الشيخ فيخوض بعضنا فيه بظلم وتعدٍّ ومبالغة، ويقول بعضنا ما هو حقٌّ، ولكن قوله علنًا ليس من الحق، فكما تقدَّم عن علي: ( حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكَذَّبَ اللهُ ورسوله؟) ، وقد سكت الأكابر قديمًا وحديثًا عن أمور أجلّ وأشرف وأعظم في دين الله من الموقف من العلي، لأن الناس لا يقبلونها ولم يتهيؤوا لها، والواجب في مثل هذا أن نحسن النظر، فإن كان الأمر من أصل دين الله لم نسكت عنه، وإنما تخيرنا أنسب طريقة لبيانه للناس، وإن كان من الشرائع وخفنا أن يصد عن ما هو أعظم منه لم نقله إلا بعد أن نهيئ الناس له، وإن كان موقفًا من آحاد الناس ففي السكوت عنهم سعة، بل يتعين إن ترتب على الجهر به مفاسد أعظم من مصلحة كشفه للناس، بل إن من المفاسد المترتبة على الجهر بحقيقة الرجل – على التسليم بعمالته أو هدر مكانته- ما يفسد علينا صميم قصدنا من الجهر بذلك، وهو كشفه للناس، فأكثر الناس ولا شكَّ سيعرضون عنا، وسيسيئون الظن بنا، ومن تلك المفاسد التي لا سبيل إلى منعها مع الكلام فيه: وقوع كثيرٍ منا في الشيخ بظلمٍ وتعدٍّ، وتفرُّق صفِّ أنصار المجاهدين حوله بين شائنٍ له آخذٍ عليه وعلى من يدافع عنه، وشانئ لشانئيه آخذٍ عليهم ظلمهم للشيخ ولمن يدافع عنه، وقد حصل هذا وليس مما يُتَوقَّع، ومن المفاسد أيضًا أننا سنكون في نظر أكثر عوام الناس غلاةً- فنصدّق فينا ما نكذّبه!- جفاةً لا نرعى لذي سابقةٍ حقًّا ولا نحفظ لكبيرٍ زلة، ونسقط كلَّ مخالف، ويهون الأمر لو كانوا سيظنون هذا فينا وحدَنا، بل هو منسحب ولا شك على المجاهدين حملةِ المنهج الذي نمثله أمامهم، وسيصدقون ما يشيعه عنهم خصومهم من جرائم منكرة، فنسيء من حيث أردنا الإحسان، ونخذل من حيث قصدنا إلى النصرة .
ولن يُحسن عوامُّ الناسِ فهم ما نستند إليه، ولا إدراك وجه الحق فيما نقول، وسيرتدُّ الظلم -الذي أردنا ردَّه عن المجاهدين- إليهم، وسينفرُ العامة، والمشايخ وطلبة العلم – من غير أهل هذا المنهج- عن المجاهدين بعد أن اقتربوا منهم كثيرًا، وعلموا عنهم ما قد جهلوه من قبل، وهذه مفسدةٌ عظيمة لا يدركها إلا من شهدَ هذا التحوُّل العظيم في موقف كثيرٍ ممن كان موقفهم من قبلُ من المجاهدين موقف الخصم .
فهذه الفترة فترة لُحمة بين عوام الناس والمشايخ والمجاهدين وأنصارهم، يجب أن نستغلها ونحاول أن نحافظ عليها لا لمصلحة الجهاد في العراق فحسب، وإنما لمصلحة الحركة الجهادية كلها، ولا يخفى أن أكثر الحواجز بين المجاهدين والأمة هي حواجز نفسية وإعلامية، ودورنا هو أن نزيلها لا أن نكون حاجزًا جديدًا يعيق وصول الحقِّ إليهم، ولو كان ما يعيق وصول الحق هو شيءٌ من الحق! فبعض الحق أولى من بعض، وبعضه يسع السكوت عنه لإقرار بعضه الآخر .
ولنا في رسول الله أسوة حسنة، في غضِّه عن المنافقين في عصره، قال ابن تيمية في الفتاوى: (ومن هذا الباب، إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن أبي وأمثاله من أئمة النفاق والفجور؛ لما لهم من أعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه مُسْتَلْزَمُهُ إزالةُ معروفٍ أكثر من ذلك، بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمدًا يقتل أصحابه،ولهذا لمّا خاطبَ الناس فى قصة الإفك بما خاطبهم به واعتذر منه وقال له سعد بن معاذ قوله الذى أحسن فيه، حمي له سعد بن عبادة مع حسن إيمانه، وأصل هذا أن تكون محبة الإنسان للمعروف، وبغضه للمنكر وإرادته لهذا،وكراهته لهذا، موافقةً لحب الله وبغضه وإرادته وكراهته الشرعيين، وأن يكون فعله للمحبوب ودفعه للمكروه بحسب قوته وقدرته، فإن الله لا يكلف نفسا الاوسعها…) إلى آخر كلامه .
هذا، ويعلم الله أنني كنتُ محبًّا للشيخ، وما زلتُ كذلك، وأحبُّ له أن يُهدى فيما أخطأ فيه إلى الحق، وأنني أحرص على حفظ قدره وأن لا أهدر حقَّه، وأنني محبٌّ لإخواني الذين يدافعون عن دولة الإسلام بما يرونه حقًّا وإن كان فيه ظلم لغيرهم، وأحبُّ لهم أن يُهدَوا فيما أخطؤوا فيه إلى الحق، وأنه لو جاز تخوينُ فريقٍ لجاز تخوين الآخر، وأن الحقَّ منع هذا كلِّه، والصبر على الأذى، وكف الظلم، والتسديد والمقاربة، والنصح الخالص للمسلمين، وتذكُّر أن ولاءنا للمجاهدين هو ولاء في الله ولله، وليس في المجاهدين أنفسهم .
وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
بقلم عبد العزيز شاكر
مؤلف: | كاتب غير محدد |
قسم: | يوم القيامة |
اللغة: | العربية |
الصفحات: | 8 |
حجم الملف: | 386.54 كيلو بايت |
نوع الملف: |
قراءة وتنزيل كلمات في شأن حامد العلي – للشيخ عبد العزيز شاكر pdf من موقع مكتبه إستفادة.