Close

Istefada

تنزيل وتحميل كتاِب الفوضى وزعزعة الاستقرار وطبيعة حروب الجيل الرابع pdf برابط مباشر مجاناً

 


تنزيل وتحميل كتاِب الفوضى وزعزعة الاستقرار وطبيعة حروب الجيل الرابع pdf برابط مباشر مجاناً

وصف الفوضى وزعزعة الاستقرار وطبيعة حروب الجيل الرابع pdf

 
نشأت حروب الجيل الرابع ، داخل مراكز الأبحاث الأمريكية، لتفسير وتبرير الصعوبات التي تواجهها القوات الأمريكية وحلفاؤها في مواجهة الحركات المقاومة ( التي يصفونها بالإرهابية)، وتتميز بأنها حروب غير نمطية، تعتمد علي المعلوماتية والقوي الناعمة، ومن حيث كونها حروباً طويلة المدي، تنشب بين الدول وبين الجماعات (من غير الدول) صغيرة الحجم، مرنة التنظيم، محدودة الإمكانيات البشرية والمادية، تستخدم تكتيكات حروب العصابات لتحقيق أهدافها . والفاعل الرئيسي في هذه الحرب هو الدول والأنظمة العالمية الكبرى ( وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية)، وذلك في إطار سعي الأخيرة لنشر الفوضى وزعزعة الاستقرار في المنطقة ، بحيث تستمر في زعامتها للعالم من دون معوقات، ومن دون أن تضطر لخوض حرب فعلية (1).
كما أن حروب الجيل الرابع تمر عبر ثلاث مراحل رئيسية ، هي زعزعة استقرار الدولة المستهدفة، والمرحلة الثانية إفشالها، وأخيراً تفكيكها وتقسيمها، وخلق واقع جديد علي الأرض، يخدم مصالح الأنظمة المتداخلة ، وهذا النوع من الحروب تم تطبيقه بنجاح في العديد من الحالات، مثل السودان، وسوريا، والعراق، فضلاً عن أفغانستان زمن الاحتلال السوفيتي؛ حيث تم تصوير المقاومة وقتها علي أنها نوع من الجهاد ضد المحتل السوفيتي بمساعدة الولايات المتحدة، بينما كان الأمر في حقيقته عبارة عن خطة أمريكية لتحطيم الاتحاد السوفيتي، وإعداد جيل من الجهاديين لنشرهم في كل أنحاء العالم، واستغلالهم في الحرب الأمريكية التالية علي العالم العربي والإسلامي (2).
أما عن الوسائل التي تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها لتنفيذ هذا المخطط، فبينا بأنها تشمل الميديا الجديدة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام الفضائي والالكتروني، ومؤسسات المجتمع المدني، كما تُستخدم في إطار هذا النوع من الحروب الآليات النفسية، مثل بث الشائعات، ونشر مشاعر الإحباط والغضب علي نطاق واسع، واستثارة الأقليات، وإثارة الحساسيات العرقية والدينية، وتعبئة الشباب بأفكار سلبية ضد الدول العربية ومؤسساتها، ونشر البلبلة والتشكيك في المشروعات القومية، كما يتم توظيف الورقة الدينية من خلال إشعال حروب الفتاوي، فضلاً عن استخدام العملاء الناشطين السياسيين (3).
والهدف النهائي من وراء هذا النمط من الحروب هو التقسيم الداخلي للدول المستهدفة، وتفكيكها وإفشالها، وتدعو من ثم المواطنين إلي التكتل خلف قيادتهم السياسية، لكسر وإفشال هذه السيناريوهات عبر التصدي لممثليها في الداخل ، وما يتفرع عنها من تنظيمات إرهابية في الخارج. وفي إطار ذلك اعُتبرت ثورات الربيع العربي البوابة التي تم من خلالها تسريب هذا المخطط، فمن خلال إسقاط حكام المنطقة، وخلق جيل جديد من الحكام من الإسلاميين، أصبحت الأمور مرشحة للفوضى؛ حيث فقد الناس ثقتهم في هؤلاء الحكام، ومن ثم توالت الأزمات السياسية ووصلت حالة الاحتقان ذروتها ، وهكذا فإن المؤامرة كانت أمريكية الصنع، محلية التنفيذ (4).
وهناك أهداف كثيرة متعددة ومتنوعة لحروب الجيل الرابع، من بينها أهداف سياسية، وأهداف اقتصادية، وأهداف اجتماعية، وأهداف ثقافية، وأهداف أخري كثيرة ومتعددة ، وهي تُشن بمكر ودهاء لفرض تأثيرها وأثرها علي كل شئ ، وهو ما جعل للأهداف طبيعة ارتكازية متمحورة يستفاد من تحققها، وبالتالي تتحول نتائجها لمدخلات جديدة لتحقيق أهداف أخري، وهو ما جعل لتفاعلات اللحظة اعتبارات امتدادية مؤثرة، خاصة في إعداد الدولة المستهدفة لتكون فريسة سهلة لحروب الجيل الرابع ، وهو ما يعطي مدلولاً خاصاً ، إذ إن هناك حدوداً لحركة القوي الفاعلة في حروب الجيل الرابع ، حيث تنهض وتقوم أجهزة المخابرات بالدور الأكبر منها ، سواء في القيام بالحركة ، أو في تفاعلاتها ، وهو ما يحدد شكل الارتباط بالأهداف الموضوعة ، حيث تقتضي فواعل المؤامرة السرية استخدام بعض الأدوات والوسائل الاختراقية المؤثرة علي تحقيق أهداف التفتيت والتشتيت والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد ، واقتراف الجرائم المتعددة، بما فيها إزالة كيان الدولة، وإحلال الفوضي، وضمان الهروب بالأموال، والمكاسب، والمصالح للخارج .
إن هذا يتم إدراكه وفقاً للطبيعة الخاصة لحروب الجيل الرابع ، حيث إن هناك أنواعاً عديدة من الأهداف ، بعضها طويل الأجل استرتيجي ، وبعضها متوسط الأجل سياسي ، وبعضها لحظي قصير الأجل تكتيكي ، وهي مرتبطة أيضاً بالطبيعة التنفيذية الخاصة لحروب الجيل الرابع ؛ من حيث تحقيق أهداف عامة إجمالية ، أو من حيث تطبيق أهداف خاصة جزئية ، وبالتالي تتحدد طبيعة المشاركة من جانب القوة التنفيذية لتحقيق هذه الأهداف .
لقد ساعدت اتفاقيات الحروب السابقة علي جعل أهدافها محركة ومؤثرة ، خاصة في جني المكاسب والأموال ، وفي الحصول علي هذه الأموال في إطار علاقات ما بعد الحرب ، لكن حروب الجيل الرابع هي حروب تمتاز باتصالها المستمر للحصول علي العوائد والمكاسب والمصالح المستمرة ، حيث تسعي الفرق المتعددة للحصول علي ما يستطيع الوصول إليه ، وتحويله الي الخارج ، خاصة سرقة الموارد الطبيعية، وأموال الشعب وإيداعاته، في البنك المركزي والبنوك الأخري ، وما هو محتفظ به خارج الجهاز المصرفي .
إن هذا يوضح أن الأهداف شاملة ومتكاملة، وهي تعمل علي خدمة هدف رئيسي قائم علي تخطيط ماكر لتحقيق الأهداف .
كما أن لحروب الجيل الرابع أهداف اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وثقافية، وإنسانية، وهي تعمل علي إحداث أوضاع غريبة وقاسية ، وهي تعبر عن هذه العقلية المجرمة التي دبُرت وخُططت لهذه الحروب؛ حيث لكل حرب أهداف اقتصادية، أهمها تعطيل مسيرة التنمية الاقتصادية، وإرهاق وإرباك الدول الأخري، وجعلها تترنح تحت ضغوط الفقر، والعوز، والإهانة، والمهانة، وإزلال الحاجة للعمل، وتعطيل سبل الاستثمار، وجعل الشعب يرزح تحت نيران العطالة والبطالة ولا سبيل أمامه سوي حرفة القتال، والاستيلاء، والغضب، والاجبار علي الخنوع، وإلا فلا سبيل إلا الموت أو الهجرة، حيث يتم تحقيق ذلك فضلاً عن الديون، والمساعدات، والهبات المزلة بشدة.
كما أن لحروب الجيل الرابع أهدافاً سياسية قائمة علي إزالة كيان الدولة، وإلغاء البرلمان، وإلغاء القوي السياسية المتواجدة في الدولة، وإعدام وقتل السياسيين، وإبعادهم عن مواقع التأثير في الأفراد، وإجبار هؤلاء الأفراد علي الانصياع، والتخاذل، والتنازل عن كافة حقوقهم السياسية مقابل حق الحياة .
وتعمل حروب الجيل الرابع علي تدمير النسق الاجتماعي السائد، وتفكيك قطاعاته، والارتداد إلي القبيلة، والفُرقة، والتنازع، والتضاد، وإشعال الحروب بين الأشقاء، وجعل النسيج الاجتماعي مهترئاً، ومزعزعاً، ومقطعاً، وجعل زعماء العشائر والقبائل منقطعين، والعمل علي حرمان الأفراد من حقوقهم الاجتماعية، بل وتدمير هذه الحقوق في غيابات عمليات القتل الجماعي والفردي، لإيجاد عقيدة الثأر المتبادل في تدمير كافة العلاقات الثقافية السائدة، ومنع سبل التواصل الثقافي بين أفراد الشعب الذي يصبح صريع ثقافة الإقتتال والثأر المتبادل.
إن هذه الأهداف يُدفع من أجل تحقيقها إعلاميون من جانب عدو عتيد في الإجرام ، عدو أدمن استخدام المؤامرة، لتحقيق أهدافه، ونشر ثقافة الاستهلاك، وثقافة المتعة اللحظية، وثقافة الارتزاق، وثقافة التدني إلي درجة إفقاد الحياة والموت للخلاص .
لقد كشف الاستعمار الصهيوني البغيض أن الشعوب ستسعي إلي التقدم، وإلي التنمية الشاملة، وإلي تحقيق معدلات من الغني، وعرف أن سبيلها إلي ذلك هو العلم والإخلاص، وعرف أن اصطياد الخونة، والجواسيس، والعملاء، هو سبيله إلي تدمير الدول الأخري، ولهذا وضعت الدولة الاستعمارية، أهدافاً أساسية لاستبدال الغزو المسلح بالتسلل الجرثومي للداخل، وعرف أن استخدام منهج التفتيت لتقسيم الدول الأخري إلي أجزاء، وإلي أقسام، وإلي دويلات، واستخدام التشتيت للعلماء ولأبناء الدول الأخري، واصطياد الخونة والجواسيس والعلماء لحرب الاقتتال بين أفراد الوطن الواحد سوف يحقق لها هدفها ، وهو سرقة هذه الأموال، وسرقة الشعوب، وسرقة مواردها، وإمكانياتها، والفوز بغنيمة كاملة ، إنها حرب المؤامرة الكبري، والتي خطط لها الاستعمار الصهيوني، وقام باستخدام الخونة والجواسيس للتمهيد لها .
وقد لخصت سلسلة وثائقية أذاعها التلفزيون المصري الرسمي ( علي قناتيه الأولي والفضائية) هذه الرواية علي نحو تفصيلي (5) ، باستخدام عناوين من نوعية المؤامرة الشيطانية ، الأيدي الخبيثة، قطار الربيع العربي والسائق الخفي ، واستخدم معدو هذه السلسلة ديباجة تتحدث عن رغبة قوي الهيمنة العالمية عبر التاريخ في السيطرة علي هذه المنطقة من العالم، ووضعوا الأحداث التي شهدتها البلاد منذ نشوب ثورات الربيع العربي في إطار من الملاحم التاريخية، مفترضين أن المنطقة تخضع حالياً لهجمات مشابهة لما تعرضت له من قبل علي يد الهكسوس، والفرس، والرومان، والمغول، والصليبين، وقوى الاستعمار الحديث، وافترض معدو الحلقات أن مصير المنطقة رهن بيد مصر، إذ لم تتمكن قوي الشر العالمية في الماضي من بسط سيطرتها علي المنطقة، إلا عندما كانت مصر في أضعف أحوالها، ولكن متي استردت وعيها واستيقظت، وفشلت المؤامرات واندحر الأعداء (6).
الخط الناظم لهذه السردية يتمثل في ذلك التصور الشمولي للتاريخ، والذي يرويه بوصفه قصة واحدة كبري، في إطار من الإحساس المتضخم بالقومية التي تبالغ في تصور حجم التأثير الذي يمكن أن تمارسه دولة واحدة في إطار التاريخ العالمي. ففي إطار هذا الطرح تم تصوير مصر علي أنها الدولة المقدر لها دحر قوي الشر وإعادة مسار التاريخ إلي وضعه الصحيح، فهي قادرة علي إلهام جيرانها من العرب والعالم، قيم الحق والخير، ومساعدتهم في التغلب علي المؤامرة الشيطانية ضد الحضارة والمدنية (7).
أما عن عناصر هذه المؤامرة إذ تشمل : الماسونيين من أصحاب الخطط السرية للسيطرة علي العالم، ومنظري الحرب الكبري لإسقاط كل الأديان وعبدة الشيطان، والنورانيين الساعين إلي تكوين الحكومة العالمية، كما تتنوع أسماء أبطال محور الشر المتآمرين، إذ تشمل كل من نيتشه، وهتلر،وكيسنجر، وبرنارد لويس، وكذا تتعدد المذاهب السياسية والايديولوجيات، لتضم كلاً من الفاشية، والنازية، والشيوعية (8).
استخدم معدو السلسلة حبكة ضعيفة الإحكام للربط بين كافة هذه المفردات والعناصر، فالماسونية العالمية خططت للإطاحة بحكم القياصرة في روسيا تمهيداً للشيوعية، التي أنيط بها تحطيم الحكومات والمعتقدات الروحية، ثم جري التخطيط علي نحو ما للحرب العالمية الثانية للقضاء علي النازية، وتمكنت الصهيونية بنفس الطريقة الغامضة، حيث تم التخطيط للحرب الكونية التي عرفت بالحرب الباردة، والتي مكنت المارد الأحمر من الصعود، قبل أن يتم تصويره كخطر علي العالم العربي، وعند نقطة معينة تم تحجيم المارد الأحمر ، خوفاً من انضمام دول جديدة له ، وكان رجل هذه الخطوة هو جورباتشوف . وأخيراً تحققت للغرب الهيمنة الصريحة، بخروج أمريكا من عزلتها وقيادتها للعالم، ولتنفيذ هذا الغرض تم إنشاء منظمة الثقافة العالمية الحرة ، التي تقوم علي القيم الأخلاقية والثقافة وتغيير السلوك، ونشر قيم السوق الاستهلاكي، ونشر الفنون والآداب الغربية لاختراق الشعوب، وقد تضمنت منظمة الثقافة العالمية في عضويتها- وفقاً للسلسلة الوثائقية- كلاً من هنري كيسنجر، ورونالد ريجان، وبرتراندرسل (9).
وتفترض السلسلة أنه بعد تراجع الهجمة الاستعمارية العالمية، انتقلت الدول الاستعمارية إلي آليات جديدة، للسيطرة علي الدول ذات الموارد المادية والاستراتيجية، وفي مقدمتها الدول العربية، وتستعرض الحلقات في هذا الإطار الوثيقة الخطيرة المنسوبة إلي المستشرق برنارد لويس لتفتيت العالم العربي إلي دويلات علي أسس العرق والدين، وتقسيم مصر إلي خمس دويلات، وجعل إسرائيل هي السيد المطاع، كما تفضح الحلقات المتعاونين مع برنارد لويس، مثل صامويل هانتجتون، وفرانسيس فوكوياما، ورجب طيب أردوغان، ودولة قطر وقناة الجزيرة (10).
أما عن أدوات المؤامرة فمتعددة، فهناك الإنترنت واليوتيوب الذي يمثل الإعلام الجديد، وهناك أيضاً القائمون علي مواقع التواصل الاجتماعي، القادرون علي حشد الشباب، وهناك مؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها المعهد الديمقراطي، والمعهد الجمهوري، ومعهد كارينجي، وفريدوم هاوس، وغيرها. ولا تنسي الحلقات أن تشير علي استحياء إلي دور الأنظمة العربية المستبدة التي ساهمت في تردي الأوضاع المعيشية، وانتشار البطالة، والجهل، وقمع الحريات، وهو ما أدي إلي سقوط بعضها، مثل أنظمة ليبيا واليمن (11).
وفي محاولتها الإجابة عن سؤال: هل كان وراء الثورات أشخاص طبيعيون أو جهات ما ؟ ، تفترض الحلقات أن مواقع التواصل الاجتماعي، كانت إحدي أدوات الحرب النفسية التي أدت لنشوب، مثل هذه الثورات. وتخص بالذكر صفحة كلنا خالد سعيد التي لعبت دوراً كبيراً في الحشد والترويج لثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، مع التأكيد علي أن أحد أفراد جماعة الإخوان المسلمين كان هو المؤسس لهذه الصفحة ، كما تشير لموقع رصد ، الذي تصفه بأنه مارس كل أنواع التضليل، واستخدام لقطات مفبركة، لقتلي وجرحي ومصابين من اليمن، وغزة، والمغرب، لتهييج الجمهور ، ومحاولة شيطنة أجهزة الدولة، والإيقاع بين الدولة والشعب (12).
وبشكل عام يتفق منظرو حروب الجيل الرابع مع الطرح الذي يعتقد بتراجع الدولة القومية ، وخصوصاً في إطار منظومة دول العالم الثالث، أو أنظمة ما بعد الاستعمار . ومن بين الأسباب التي تُطرح لتفسير ذلك التخصص تختار النظرية ذلك المتعلق يتعثر التحديث في العديد من هذه الدول ، الأمر الذي أفرز عدداً من الأنظمة الفاشلة التي لم تستطع أن تفي بمتطلبات وشروط الدولة الحديثة، وخصوصاً ما يتعلق بشرط المواطنة، فهذه الأنظمة لم تنجح في أن تقدم لشعوبها من الحقوق والامتيازات ما تستحوذ به علي ولائهم السياسي ، ولم تنجح في جعل رابطة المواطنة تعلو علي غيرها من الروابط ، ما أدي إلي تراجع الولاء السياسي للأفراد إلي الدوائر الأولية ( ما قبل السياسة) ، مثل الدوائر الدينية ، والعرقية، والعشائرية. وهكذا لم تعد المواطنة هي قوة الجذب المركزي ، كما كان الحال إبان نشأة دولة ما بعد الاستقلال ، وإنما أصبحت ثمة مراكز جذب أخري ، تتمثل في الدين والعرق والعشيرة (13).
ومما سهل من عمليات الجذب في مواجهة عمليات الطرد تنامي وسائل الاتصال وتبادل المعلومات بين الأفراد بعيداً عن أعين الأنظمة ، بحيث أصبح في مقدور الأفراد أن يجدوا المتشابهين معهم مهما تناءت بهم السبل، ليشكلوا معاً تكوينات لا تخضع لسلطة الدولة ولا لسيادتها ، بل ويمارس (بعضها) العنف ضد الدولة ، في إطار فواعل جديدة من غير الدول ، تزاحم الدول في صلاحيتها وتوجه لها تهديداً عسكرياً ووجودياً في بعض الأحيان (14) .
وعلي هذا الأساس تفترض النظرية أن الدولة الحديثة قد فقدت – ضمن ما فقدت – احتكارها لقرار الحرب ، وأصبحت مضطرة للدخول في مواجهات، أو حروب ضد تكوينات غير نظامية، منتشرة عبر العالم، تستخدم إلي جانب قوة السلاح ، وسائل القوة الناعمة، وعلي رأسها المعلومات، وتتمتع بالمقدرة علي شن حروب، لا تستهدف من خلالها هزيمة خصومها عسكرياً ، ولكن تحطيم إرادتهم السياسية، وإقناعهم بعدم جدوي الاستمرار في مواجهة هذه التكوينات المقاتلة، وهو ما تحقق فعلياً في العديد من الحالات (15).
ففي الوقت الذي لم تتمكن فيه أي دولة عادية من أن تحارب، فضلاً عن أن توقع الهزيمة بأي من الدول الكبرى في إطار النظام الدولي المعاصر، فإنه من خلال هذا النوع من الحروب ذاق عدد من هذه الدول الهزيمة علي يد جماعات أضعف منها بالمقاييس التقليدية للقوة، فتعرضت أمريكا للهزيمة ( وفقاً لتعريف النظرية لمفهوم الهزيمة) في كل من فيتنام، ولبنان، والصومال، وأفغانستان، والعراق. كما تعرضت القوات الفرنسية للهزيمة في كل من فيتنام، والجزائر، وتعرض الروس للهزيمة في أفغانستان، ثم لانكسارات خطيرة في الشيشان. الأمر الذي يعكس وفقاً للنظرية تغيراً في علاقات القوة ، وفي الطريقة التي بات يُنظر من خلالها إلي كيفية إحراز النصر، ففي كل هذه الأمثلة تمكن الطرف الأضعف، من إجبار الطرف الأقوى علي العدول عن هدفه، وإقناعه (قسراً) بعدم جدوي الاستمرار في محاولة تحقيقه، وفيما لا يمثل هذا انتصاراً وفقاً للمعني التقليدي، فإنه علي الأقل يمثل غلبة لكفة الطرف الذي تبني هذا النوع من الاستراتيجيات (16).
ومن هذا المنطلق نبرز في هذا الفصل ، دور القوة الناعمة في تأجيج حروب الجيل الرابع ، وكيف أضحي الجيل الرابع من الحروب، يمثل جيلاً يختلف بنيوياً عن الحروب السابقة، حيث تنتهي معه الحروب بشكلها التقليدي التي كانت تعبُر فيها الجيوش النظامية إلى الدول المعادية للسيطرة عليها أو على جزء منها، عنوان هذا الجيل واستراتيجيته هو “إفشال الدولة” (17).

مؤلف: الأستاذ الدكتور محمود محمد علي
قسم: السياسة المعاصرة
اللغة: العربية
الصفحات: 89
حجم الملف: 592.75 كيلو بايت
نوع الملف: PDF

قراءة وتنزيل الفوضى وزعزعة الاستقرار وطبيعة حروب الجيل الرابع pdf من موقع مكتبه إستفادة.