تنزيل وتحميل كتاِب أصول التفكر الدلالي عند العرب من اللزوم المنطقي في الاستدلال البلاغي pdf برابط مباشر مجاناً
وصف أصول التفكر الدلالي عند العرب من اللزوم المنطقي في الاستدلال البلاغي pdf
مدرّس جامعي وباحث في علوم اللغةهذا الكتاب في الأصل أطروحة قدمها صاحبها لنيل شهادة الدكتورا في اللسانيات من الجامعة التونسية، وقد شرع في إنجاز هذه الرسالة تحت إشراف المرحوم عبد الله صولة، وهو الذي يعدّ على المستوى العربي مرجعا ورائدا في الدراسات الحجاجية والعرفانية، وبعد وفاته واصل المؤلف إنجاز الأطروحة تحت إشراف الدكتور شكري المبخوت، وهو المعروف في الأوساط الأكاديمية والثقافية العربية بتعدد أبعاده: لسانيا فذًّا وناقدا مبرزا وروائيا مبدعا.
ويعدّ كتاب الدكتور السوداني حلقة وثيقة ضمن مسار الدراسات العلمية التونسية الرصينة المنجزة في إطار شهادة الدكتورا، ويشدّها عنوانُها إلى مسار واضح في البحوث الجامعية التونسية خطا خطواته الأولى ورسم ملامحَه الروادُ الأوائل في الجامعة، فقد حظيت اللسانيات بمكانة رفيعة منذ تأسيس الجامعة التونسية في 1958، وذلك بفضل جيل من الرواد الذين اكتشفوا هذا العلم وهم في مدارج الجامعات الفرنسية، وفي فترة التأسيس بنى الجيل المؤسس للجامعة تصوره لها على أنها حلقة وصل للحاضر بالماضي، وذلك وفق معادلة يبدو أنها من أفضل خصال الجامعة التونسية.
وممّا نسجله في هذا الجانب أنّ أوّل دكتورا نوقشت في مدارج الجامعة التونسية هي أطروحة الدكتور عبد السلام المسدي سنة 1979، وهي التي نشرت فيما بعد بعنوان “التفكير اللساني في الحضارة العربية”، وتلتها في المضمار نفسه أطروحة الدكتور حمادي صمّود التي نشرها من بعد ذلك بعنوان “التفكير البلاغي عند العرب: أسسه وتطوره إلى القرن السادس”. وها إنّ أطروحة الدكتور حسين السوداني تواصل المسيرة في المضمار المتميز للجامعة التونسية بمصنَّف ضخم عن “التفكير الدلاليّ عند العرب” يضاف إلى الأطروحتين السابقتين عن: “التفكير اللساني” و”التفكير البلاغي”.
إنّ قارئ الكاتب ليجد أنه يتأصل في بيئته المعرفية الجامعية في تونس بثلاث خصائص هي لعمْري ما يَمِيزُ الجامعة التونسية وما يُعَدّ خصيصتها القمينة بكل تثمين؛ أمّا الخصيصة الأولى فتتمثل في دقّة المقاربات التقنية المتوخاة؛ وأساس ذلك منهج راسخ في الجامعة التونسية يلتمس قوانين الظواهر الكلية انطلاقا من تفاصيلها التقنيّة الدقيقة، فعلى هذا الأساس تجد محمد صلاح الدين الشريف يتخذ مبحث الشرط مفتاحا إلى نظرية لم يُسبَق إليها في تاريخ اللغويات هي “نظرية الإنشاء النحويّ للكون” ومن ذلك أيضا التماس عبد الله صولة خصوصية القرآن في مبحث يعدّ قادحه في الجامعات العربية هو مبحث الحجاج، ومن ذلك أطروحة شكري المبخوت عن إنشاء النفي وأطروحة محمد الشاوش عن أصول تحليل الخطاب…
وعلى هذا المنوال نسج الدكتور حسين السوداني؛ فقد درس أصول التفكير الدلالي العربي من مدخل متناهي الدقة هو مفهوم اللزوم، وهو الآليّة التي أصّل لها تأصيلا تقنيّا منطقيا انطلاقا من أنّ المقصود باللزوم هو حركة الذهن البشريّ عموما بين أمْرين، يستدلّ بأحدهما على الآخر. فلا فكرة أو معنى، ولا مجاز أو حقيقة، ولا شعر أو نثر إلا وهو قائم على انتقال بين طرفين هما اللذان أصّل لهما الدكتور السوداني بقوانين علم المنطق وبتطبيقات ذلك في التراث العربي على نحو ما فعل السكاكي في مفتاح العلوم حين حصر حركة الذهن في كل ألوان الكلام في أنها لا تخلو من أن تكون انتقالا بين لازم وملزوم، فمن ملزوم إلى لازم ومن لازم إلى ملزوم. وقد أشار السوداني في آخر مقدمة كتابه إلى أنه جعل مدخله إلى النظرية الدلالية العربية فيما أجْمَله منهجيا في عنوان هو -حسب ما ورد في المقدمة- العنوانُ الذي اتفق عليه مع أستاذه المشرف العلّامة المرحوم عبد الله صولة، وهذ العنوان هو “الأسس اللغوية لدلالة الالتزام في التراث العربيّ”. وذلك على سبيل الالتزام بمواضعة منهجية دقيقة في البحوث الجامعة التونسية، هي التي وسمها المؤلف بوجاهة القانون المنهجيّ الذي يرى أن ثمة تناسبا عكسيا بين حجم المبحث ومُخْرجاته، ومن ثمّ أشار إلى أنّ عنوان الكتاب يمثّل مآله لا منطلَقه، فنسبة ما بين منطلق البحث وعنوانه كنسبة ما بين الذرة وما تؤلّفه من الأجسام. ذلك أنّ قوانين المادة في أعظم تجلياتها مركوزة ومُودَعَة في دقائق قوانين الذرة وفي تفاصيلها.
وتتمثل الخصلة الثانية في كتاب الدكتور السوداني في سلاسة الانتقال بين القديم والحديث؛ وأساس ذلك تصور للبحوث الجامعية الرصينة مقتضاه أنّ أحادية اللسان تضيّق دائرة العلم وتضعف مخرجات البحث، والمطلع على البحوث الجامعية التونسية يلمح حرصا واضحا على الجمع بين المراجع العربية والأعجمية في البحث على نحو يؤمّن ثراء في البحث من جهة الجمع بين القديم والحديث.
وتتجلى العلاقة بين القديم والحديث في ثلاثة أمور؛ أما الأول فأنّ البحث اللسانيّ في تونس تأسس منذ البداية على ترابط وثيق وغير متوتر بين القديم والحديث، فترسّخ ذلك حتى غدا شرطا منهجيا وخيارا عامّا بين الباحثين، وأما الأمر الثاني فأنّ الاطلاع على الدراسات العلمية الرصينة في ألسنتها الأجنبية يُشترَط فيها أن يطّلع الباحث على المراجع بلسانها الأصليّ لاسيما ما كُتب بالفرنسية والإنجليزية، ولذلك تجد في مراجع الباحث توازنا بين المراجع المعتمدة من هذه الألسنة الثلاثة، بل إنك تجده في سياقات قليلة أخرى يشير إلى ألسنة أخرى مثل الألمانية والعبرية، وإلى لغة الإشارات في سياقات محددة وطريفة. وأما الأمر الثالث من هذا التفاعل بين القديم والحديث فأجلّ قدرا وأدق أثرا، وهو المتمثل في سلاسة الانتقال بين المصطلحات التراثية العربية والمصطلحات الحديثة، وذلك على درجة من اليسر والوضوح يظنه المتسرع إسقاطا، وإنما ذلك بخلفية مهمة هي أنّ الباحث متمثلٌ للمفاهيم التي تجسدها تلك المصطلحات على نحو عميق، وهو مرْكب صعب لمن لا يتسلح له بأدواته الضرورية، وإنك لتجد الدكتور السوداني ينسج على منوال أستاذه المشرف عبد الله صولة الذي سبق أن مهّد له بدراسات مفهومية دقيقة ألصقها بالموضوع بحث نشره صولة عن المقابل اللسانيّ الحديث لمفهوم دلالة الالتزام في التراث العربي. وما يجعل الأمر عل منتهى الصعوبة أنه يتعلق بمبحث الضمنيات مع كلّ ما يرتبط به من تفصيلات وتفريعات كثيرة في التراث الأصوليّ خصوصا.
وتضاف إلى تينك الخصلتين خصلة ثالثة تتعلق بالمنهج، وهي أنّ البحث أُنجز بتضافر محورَي نظر؛ أولهما النفاذ العمودي، والثاني هو التوسع الأفقيّ، فمقتضى الأوّل أنّ الباحث جعل له منهجا مجهريا يجمّع أدوات نظره المنهجية على مفهوم اللزوم، فيتخذه مفتاحا يجلّي له كلّ ما يتعلق بالدلالة في كلّ تقليباتها وأوجهها، فلذلك لا تجد جزئية تتعلق بدلالة الالتزام في كتب البلاغة أو أصول الفقه أو تفاسير القرآن الكريم إلا وقد أشبعها الباحث درسا بمسبار أدواته المنهجية متنوعة المشارب. وأما التوسع الأفقيّ فيتمثل في أنّ الباحث يجد نفسه -وهو يدرس مفهوم اللزوم- إزاء دقائق مفهومية هي ممّا يرْشح بها البحث وتتداعى لتفاصيله، ولذلك تجد في عناوين الفقرات الفرعية داخل الأبواب والفصول طبقاتٍ يصل عددها إلى ثماني طبقات. ومن تقاطع المنظورين الأفقي والعموديّ تجد البحث يتقدّم بثراء وَسعة نظر متميزين.
إن خصلتي المنهجِ التقني والجمع بين الحديث والقديم تتكاملان مع خلفية نظريّة لعلها الأساس الذي بُني عليه البحث، وهو الخلفية الابستيمولوجية التي تنظر في العلوم من منظور الاسترسال والتكامل. وقد تجلّى ذلك في مستويين؛ أما الأوّل فيتمثل في حرص واضح على التأصيل الفلسفيّ لكلّ القضايا النظرية، وهو أمر يتيح للبحث اللسانيّ أن يمتح من خلفيات فلسفية تعزّز أطروحات الباحث بزوايا نظر تؤطرها. وأما المستوى الثاني فأنّ الباحث يبدو في كلّ كتابه متجولا بين سياقات علمية لعلّ القارئ لم يألفها إلا في كتابات نادرة، فمن الطريف المألوف أن تجتمع في مراجع بحث لسانيّ أعلام اللغويات مع أعلام المنطق والفلسفة وعلم النفس مثلا، ولكنّ من الطريف الذي لم نألفه في جامعاتنا أن يتعزّز المنظور اللسانيّ بعلوم مثل الفيزياء والرياضيات والأعصاب. فلم يخلُ الكتاب من أعلام في هذه المجالات في مسائل لها علاقة بالموضوع من وجه من الوجوه.
ومن طريف ما آل إليه هذا المنظور الشموليّ في منهج الباحث ما نجده من جرأة على نقد التصنيفيات التي استقرت بمثابة المسلمات بين الباحثين، فمن ذلك الجرأة على نقد التمييز الذي رسخ في التقاليد اللسانية بين ثالوث من المستويات في الدراسة اللغوية: التركيب والدّلالة والتداولية، وهو تمييز دأب الدارسون منذ شارل موريس (C. Morris) (1901- 1979) وكارناب (R. Carnap) (1891 – 1970) على تبنّيه حتى غدا بمنزلة المسلمة في الدراسات اللسانية.
ومن حيث بنية البحث، أقام الباحث كتابه على توازن بين ثلاثة أبواب يتضمن كلّ منها ثلاثة فصول؛ وتتصدر الكتاب مقدمة طويلة نسبيا، والحقّ أنّ ذلك التطويل وظيفيّ، فقد جعلت للتعريف بالمفاهيم الدقيقة التي سيبني عليها أطروحته، ورأسها مفهوم اللزوم وما يستدعيه من مفاهيم منطقية وفلسفية وأصولية ولسانية.
وأما الباب الأوّل فعنوانه “اللزوم وإنتاج الدلالة”، ويتصدره فصل عرّف فيه المؤلف بمفهوم اللزوم الذي أشار في المقدمة إلى أنه المتحكم في حركة الذهن والإدراك، فبين فيه رحيل هذا المفهوم وتطوّره في انتقاله من منشئه المنطقيّ إلى غيره من العلوم مثل أصول الفقه والبلاغة وتفسير القرآن. وفي الفصل الثاني فصّل المؤلف القول في الضمنيات من حيث هي ناشئة عن قانون اللزوم، وفي هذا الفصل توسع واضح في شبكة الضمنيات كما ضبط قوانينها علماء أصول الفقه وكما اشتغلت بها الاتجاهات المنطقية واللسانية والتداولية الحديثة، ويكمّل هذا الفصلَ فصل ثالث سعى المؤلف فيه إلى ضبط أثر الأبنية النحوية في بناء مستويات الفائدة الحاصلة بالللفظ.
وأما الباب الثاني فموضوعه “الالتزاميّ من الدلالة”، وفي هذا الباب حرص واضح على تفصيل القول في الضمنيات الدلالية؛ فانطلاقا من علمي البلاغة وأصول الفقه رصد المؤلف مختلف التفريعات التي أنجزت للدلالة في التراث العربيّ، وذلك بسلاسة وتَمَثُّلٍ للاختلاف الاصطلاحي بين المدارس الأصولية لاسيما بين الشافعية والحنفية. فالفصل الأول من هذا الباب عنوانه “الإطار المعرفي الحاضن لمفهوم الالتزام في النظرية الدلالية العربية” والثاني عنوانه “موقع دلالة الالتزام من التصنيفات الدلالية”، والثالث عوانه “الالتزاميّ من الدّلالة عند الأصوليين”.
وأما الباب الثالث فعنوانه “المولدات اللغوية لدلالة الالتزام”، وهو باب تقنيّ جعل لضبط القوانين المتحكمة في إنشاء المعاني الضمنية بكلّ درجاتها. فالفصل الأول توطئة بعنوان “البحث الدلالي من المنطق إل المصنفات الأصولية والبلاغية”، والفصل الثاني بعنوان “مولدات الدلالات الالتزامية الناشئة في مستوى الكلمة”|، والثالث بعنوان “مولدات الدلالات الالتزامية الناشئة في مستوى الجملة”
إن في محتوى هذا الكتاب ما يجعله بحق سِفْرًا ضروريا في مكتبة كلّ باحث في مسألة الدلالة بكلّ تفاصيلها ودقائقها، ونخصّ بالذكر مسألة الضمنيات، فقد استطاع المؤلف بسعة اطلاع واضحة على القديم والحديث أن يصوغ مسارا دقيقا في دراسة الدلالة في التراث العربي، فلم يقدّم منظورا تاريخيا سرديا على نحو ما نفعل غالبا في تقديمنا لتراثنا اللغوي العربي، بل استطاع النفاذ إلى القوانين المتحكمة في إنتاج المعنى وفق منظور أصيل، هو بحقّ ما يمثل خصلة من خصال البحوث العلمية الرصينة في الجامعة التونسية.
مؤلف: | حسين السوداني |
قسم: | علم اللغة |
اللغة: | العربية |
الصفحات: | 538 |
حجم الملف: | 5.59 ميجا بايت |
نوع الملف: | |
تاريخ الإنشاء: | 05 نوفمبر 2017 |
قراءة وتنزيل أصول التفكر الدلالي عند العرب من اللزوم المنطقي في الاستدلال البلاغي pdf من موقع مكتبه إستفادة.